اتهامات نقابية تشعل فتيل الأزمة داخل أكبر مستشفى جامعي في الرباط
في أجواء يلفها كثير من الترقب والغموض، وجدت إدارة المركز الاستشفائي الجامعي ابن سينا نفسها تحت مجهر الانتقاد بعد أن فجرت الجامعة الوطنية للصحة، التابعة للاتحاد المغربي للشغل، فضيحة مدوية، عبر بلاغ شديد اللهجة طالبت فيه بفتح تحقيق عاجل في ما وصفته بسوء التدبير وتراكم الاختلالات الخطيرة التي تهدد جودة الخدمات الصحية وتُربك ظروف اشتغال الأطر الطبية والتمريضية.
ويبدو أن البلاغ النقابي الذي صدر منتصف يونيو الجاري لم يمر مرور الكرام، إذ سلط الضوء على واقع بات يؤرق العاملين والمرضى على حد سواء، حيث اتهم المكتب المحلي للمركز إدارة المستشفى بإبرام صفقات مشبوهة وتعاقدات مثيرة للجدل، منها التعاقد مع مختبر خاص بكلفة مرتفعة ودون مبرر واضح، بالإضافة إلى غموض كبير في صفقة الغسيل الصناعي مع شركة شهيرة، لتتوالى التساؤلات حول من يتحمل مسؤولية ما يجري.
صفقات مشبوهة وظلال المال العام
الملفت في الاتهامات الموجهة أن الأمر لم يقف عند حدود الصفقات، بل تجاوز ذلك ليشمل لوائح لمستخدمين وهميين يستفيدون من برامج التكوين المستمر وتعويضات خارج الإطار القانوني، دون أن يفتح ملفهم على طاولة المساءلة. ومع كل هذا، يواصل البلاغ سرد مشاهد أخرى لتبذير المال العام عبر تضخيم الفواتير وتجاهل المساطر القانونية في إبرام عدد من الصفقات، ما يدفع المتابعين للتساؤل: من يحمي المال العام إذا استباحته جهات مسؤولة داخل المستشفى؟
وعندما يتعلق الأمر بالصحة العامة للمواطنين، تصبح هذه الاختلالات أكثر خطورة، خاصة في مستشفى بحجم ابن سينا، الذي ظل على مدى سنوات عنوانا للثقة والاحترافية. غير أن ما كشفت عنه النقابة من شبهات تلاعب في مساطر إدارية مرتبطة بالمختبر المركزي للتشخيص، وجهاز التصوير بالرنين المغناطيسي، والصيدلية، والمركب الجراحي، ينذر بواقع غير مطمئن لمستقبل قطاع الصحة العمومية.
دعوات للتدخل العاجل وتحقيق العدالة
ووسط هذه العاصفة، تعالت أصوات الأطر الطبية والتمريضية المنضوية تحت لواء الجامعة الوطنية للصحة، مطالبةً بتدخل فوري للوزارة الوصية والهيئات الرقابية، وفي مقدمتها المجلس الأعلى للحسابات، من أجل كشف حقيقة هذه الاتهامات وتحديد المسؤوليات وترتيب الجزاءات اللازمة في حال ثبوت أي تجاوزات أو جرائم مالية وإدارية.
والملاحظ أن النقابة لم تكتفِ بإطلاق التحذيرات، بل أعلنت عن إعداد تقرير مفصل خلال الأيام المقبلة، مرفقًا ببرنامج تصعيدي جديد لكشف ما أسمته “الاختلالات الخطيرة” التي تنخر واحدًا من أكبر مراكز العلاج والتكوين في المغرب. فهل تتحرك السلطات لوضع حد لهذا النزيف أم أن البلاغ سيبقى مجرد حلقة في مسلسل طويل من الشكاوى؟
أزمة ثقة تهدد القطاع الصحي
يبقى السؤال الحارق: إلى متى سيظل ملف الصحة العمومية رهينة سوء التدبير وصراعات المصالح؟ وهل سيكون ملف ابن سينا بداية حقيقية لمسار إصلاحي جديد في القطاع أم مجرد صرخة في واد؟
في انتظار ما ستسفر عنه الأيام المقبلة، يعلق آلاف المرضى والعاملين آمالهم على فتح تحقيق شفاف وجاد، يُعيد الاعتبار للقطاع الصحي ويعيد ثقة المغاربة في مؤسساتهم العلاجية.