هل تخشى الحكومة فعلاً من تجريم الإثراء غير المشروع؟

هل تخشى الحكومة فعلاً من تجريم الإثراء غير المشروع؟

في مشهد يثير أكثر من علامة استفهام، عاد النقاش تحت قبة البرلمان حول أحد أخطر ملفات الفساد وأكثرها إحراجًا للسلطة التنفيذية، ويتعلق الأمر بجريمة الإثراء غير المشروع التي ما تزال، رغم كل الشعارات، عصية على التجريم في القانون المغربي.

الفريق الاشتراكي هو من أعاد فتح الصندوق القديم، حاملاً معه مقترح قانون لا يخلو من جرأة، يطالب بتجريم هذا السلوك الذي تحوّل في بعض الأوساط إلى رياضة وطنية غير معلنة.

الغريب في الأمر أن مشروع القانون هذا كان مطروحًا قبل أكثر من عقد، لكنه اختفى فجأة عام 2011، بطلب مباشر من رئيس الحكومة آنذاك، في مشهد يؤكد أن هناك من لا يريد لهذا الباب أن يُفتح، حتى لا تفضح رياح المحاسبة ما تحت الطاولة من ممتلكات تضخمت بين ليلة وضحاها.

المقترح الجديد يبدو أكثر شمولًا، لا يكتفي بمطالبة المسؤولين بالتصريح بممتلكاتهم، بل يذهب أبعد من ذلك، واضعًا كل من عرف تضخمًا غير مبرر في ذمته المالية في دائرة المساءلة، سواء تعلق الأمر به أو بأبنائه أو بورثته. وها هو النص التشريعي يقترح أن كل تهرب من التصريح أو تقديم معلومات مغلوطة، يعتبر سببًا كافيًا لفتح تحقيق قضائي، دون لف أو دوران.

وحتى لا يُتهم واضعو المقترح بالتسرع، فقد استندوا إلى تجارب عربية حية، كلبنان وتونس والأردن، التي بادرت إلى سن قوانين قوية تُجرّم الكسب غير المشروع، بعيدًا عن نصوص القانون الجنائي التقليدي التي صارت كالثوب البالي لا يليق بعصر السرعة والثروات الرقمية.

وما يجعل هذا المقترح مختلفًا عن سابقيه، هو امتداده ليشمل ليس فقط المسؤولين المنتخبين والمعينين، بل حتى من يدير المال العام أو يستفيد منه، من زعماء أحزاب إلى رؤساء جمعيات، إلى آخر مستفيد من دعم الدولة. فالمحاسبة هنا لا تُفرّق بين موظف صغير وبين من يتصدر المشهد السياسي.

في المقابل، لم يسلم المقترح من نظرات التوجس داخل كواليس الأغلبية، حيث يرى البعض أن تمرير مثل هذا القانون قد يُحوّل البرلمان إلى منصة تصفية حسابات سياسية أو وسيلة لتصفية النوايا. غير أن أصحاب المقترح ردوا بأن المطلوب ليس تصفية نوايا بل تصفية جيوب منتفخة بشكل مشبوه.

ولأن من اعتاد النفوذ يصعب عليه أن يُسأل عن مصدر غناه المفاجئ، فإن الغرامات المقترحة التي تصل إلى مليون درهم، ومصادرة الأموال المشبوهة، والمنع من تقلد أي منصب عمومي مستقبلي، تبدو وكأنها صفعة مباشرة للطبقة السياسية التي راكمت المناصب والمنازل في صمت قاتل.

في النهاية، قد لا يُكتب لهذا المقترح أن يرى النور، وقد يُرحّل مرة أخرى إلى مقبرة القوانين المؤجلة، لكن الأكيد أن مجرد عودته إلى النقاش هو مؤشر على أن صوت المطالبة بالشفافية بدأ يعلو مجددًا، وأن رياح التغيير قد لا تكون بعيدة، إن كانت النوايا صادقة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى