نزار بركة… وزير داخل الحكومة يتقمص دور المعارض

في مشهد سياسي لا يخلو من المفارقة، خرج نزار بركة، الأمين العام لحزب الاستقلال ووزير التجهيز والماء في الحكومة الحالية، بتصريحات نارية يهاجم فيها تدبير الحكومة للقطاع الفلاحي، متحدثًا بلهجة المعارضين، وكأنه ليس جزءًا من الفريق الحكومي الذي يسير البلاد منذ أربع سنوات.

بركة، الذي كان يتحدث نهاية الأسبوع في لقاء حزبي بمدينة تازة، اختار أن يعيد إلى الواجهة خطاب “المدرسة الفاسية القديمة” القائمة على النقد من الداخل دون تحمل المسؤولية الكاملة، إذ وجّه اتهامات مباشرة إلى الحكومة في موضوع دعم الماشية وتدبير الإعلاف، معتبرًا أن “الإحصاء الأخير كشف عن عدد الكسابة الحقيقيين المستحقين للدعم، عكس السنوات السابقة التي استفاد فيها المضاربون من أموال الدعم بطريقة غير مشروعة”.

اللافت في خطابه أنه لم يكتفِ بانتقاد تدبير وزارة الفلاحة، بل ختم حديثه بنبرة وعظية قائلًا:

“باراكا من الغش… ولنستحضر الجدية والضمير الوطني الذي تربينا عليه في حزب الاستقلال”.

جميل أن يتحدث بركة عن الضمير الوطني، لكن الغريب أن يفعل ذلك وهو في قلب حكومةٍ تتحمل المسؤولية عن نفس الاختلالات التي ينتقدها. فكيف يمكن لوزيرٍ يجلس على طاولة المجلس الحكومي كل أسبوع أن يتحدث عن الفساد وسوء التدبير وكأنه يكتشفه من الصحف؟

في اللقاء نفسه، تحدث بركة عن الفقر والفوارق الاجتماعية، مشيرًا إلى أن نسبة الفقر في جماعة بويبلان بتازة تصل إلى 49 في المائة، منتقدًا ضعف التنمية بالمنطقة.
لكن، أليس بركة هو الوزير المسؤول عن قطاع التجهيز والماء، أي الطرق والمشاريع التنموية والبنية التحتية؟
أليس من المفترض أن يكون هو أول من يتحمل مسؤولية هذه الأرقام التي يشتكي منها؟

الخطاب بدا كأنه محاولة متأخرة لغسل اليدين من حصيلةٍ باهتة، أو ربما استعداد مبكر للعودة إلى موقع “المعارضة المريحة”، تلك التي يتقنها حزب الاستقلال كلما اقتربت الانتخابات.

ففي الوقت الذي كان فيه الشباب ينتظر من بركة رؤية واقعية للمستقبل، اكتفى اللقاء الحزبي بصور جماعية ووجوه شاخت في الميدان، كأن الزمن السياسي للحزب تجمّد منذ عقود.
أما الحديث عن “الضمير الوطني”، فيبدو ترفًا سياسيًا حين يأتي ممن يملك القرار التنفيذي ولا يستعمله إلا في توزيع المواعظ.

يبدو أن نزار بركة نسي أن “الجدية” التي دعا إليها تبدأ من تحمّل المسؤولية لا التنصّل منها، وأن النقد الحقيقي لا يصدر من مقاعد الحكومة، بل من خارجها.


لكن في المغرب، لا شيء يمنع الوزير من أن ينتقد نفسه… ثم يصفق لذاته بعد الخطاب!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى