صواريخ “جافلين” في الطريق إلى المغرب: صفقة تسليح تُعزز الحلف العسكري مع واشنطن

واشنطن تعلن التفاصيل.. والمغرب يُوسّع ترسانته الذكية

ما بين السرية والدقة، خرجت وزارة الدفاع الأمريكية أخيرًا لتضع النقاط على الحروف. الإعلان الرسمي جاء هذه المرة من السجل الفيدرالي للولايات المتحدة، حيث تم الكشف عن صفقة ضخمة لتوريد صواريخ “جافلين” الموجهة المضادة للدروع للمملكة المغربية. صفقة مرّ عليها أكثر من عام من التنسيق والإخطار للكونغرس، دون أن تُسجّل اعتراضات، ما يعكس حجم الثقة والتقارب العسكري بين الرباط وواشنطن.

ما وراء الكواليس.. ماذا تتضمن الصفقة؟

الوثائق الرسمية تؤكد أن الصفقة تشمل 612 صاروخ من نوع FGM-148 “جافلين”. لكن هذا ليس كل شيء، فـ12 من هذه الصواريخ مخصصة للاختبارات والتجارب التقنية. إلى جانب ذلك، تشمل الصفقة 200 منصة إطلاق خفيفة من نوع LMCLU، وهي الجيل الأحدث من المنصات التي تُعزز دقة التصويب وسرعة التفاعل مع التهديدات.

ولأن الحرب لا تُخاض فقط بالعتاد، فالصفقة تتضمن أيضًا معدات لوجستيكية، ونُظم دعم تقني، وأدوات تدريب وصيانة. كل هذا يُشكّل منظومة متكاملة تسمح للجيش المغربي برفع قدراته في الدفاع المضاد للدروع إلى مستوى جديد.

260 مليار سنتيم.. والعتاد يصنف ضمن الأسلحة “الحرجة”

في التفاصيل المالية، تصل قيمة الصفقة إلى حوالي 260 مليار سنتيم مغربي. من هذا المبلغ، تصنف 180 مليار سنتيم كجزء من ما يُعرف في لغة البنتاغون بـ”العتاد الدفاعي الرئيسي”، ما يعني أن المغرب بصدد استيراد تكنولوجيا عسكرية متقدمة مصنفة في خانة القدرات الاستراتيجية.

ويُشار إلى أن هذا النوع من الصفقات لا يمر مرور الكرام، بل يخضع لتقييمات دقيقة من طرف وكالة التعاون الأمني الدفاعي الأمريكية DSCA، وهي الجهة التي تُشرف على مراقبة صادرات الأسلحة الأمريكية نحو الخارج، مع التأكد من استجابتها لمصالح الأمن القومي للولايات المتحدة.

لماذا “جافلين”؟ ولماذا الآن؟

السؤال الذي يطرحه الكثير من المتتبعين هو: لماذا هذا النوع بالضبط من الصواريخ؟ الجواب بسيط. “جافلين” هو سلاح مُجرب ميدانيًا في أكثر من ساحة حرب، من أوكرانيا إلى الشرق الأوسط. يتميز بقدرته على إصابة الأهداف المدرعة بدقة عالية من مسافات متوسطة، باستخدام تقنية “أطلق وانسَ”، التي تمنح الجندي هامش أمان أكبر في الميدان.

في السياق المغربي، تتزايد الحاجة إلى هذا النوع من التسلح في ظل التحولات الجيوسياسية والأمنية الإقليمية. فمع توتر العلاقات مع بعض الجيران، ومع التهديدات المتعددة المصادر، يبدو أن المغرب يُراهن على الردع الذكي بدل التهديد المباشر.

خطوة نحو الأمام في شراكة دفاعية متنامية

صفقة “جافلين” ليست مجرد عملية بيع وشراء. هي في العمق علامة جديدة في مسار الشراكة الاستراتيجية بين المغرب والولايات المتحدة. شراكة تُبنى على الثقة، وتُترجمها المناورات العسكرية المشتركة، والتعاون في التدريب، والتبادل الاستخباراتي، وتنسيق المواقف في ملفات الأمن الإقليمي.

والأهم من ذلك، أن هذه الصفقة تأتي في وقت يُظهر فيه المغرب طموحًا واضحًا لتحديث بنيته الدفاعية، وتنويع مصادر تسلحه، والارتقاء بجيشه إلى مصاف الجيوش الحديثة القادرة على مجابهة التحديات المركبة.

في الختام.. تسليح بعقلية استراتيجية

من يظن أن الأمر مجرد “تكديس” للأسلحة، فهو لا يرى الصورة كاملة. فالمغرب، بخطوات محسوبة، يعمل على بناء منظومة ردع متكاملة، من الجو إلى البر، مستندًا إلى شراكات قوية، وأولويات دفاعية واقعية، ورؤية استباقية تُراعي موقعه الجيوسياسي الحساس.

صفقة “جافلين” اليوم، ليست سوى لبنة في هذا البناء الكبير. والرسالة واضحة: المغرب لا يراهن على العشوائية، بل يستثمر في الذكاء العسكري، والجاهزية المتقدمة، والتحالفات التي تصنع الفرق على الأرض.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى