
حين يتحوّل الناطق الرسمي إلى محامٍ للحكومة بلا ملف…
حين يتحوّل الناطق الرسمي إلى محامٍ للحكومة بلا ملف
ها هو بايتاس يعود إلى القاعة، حاملاً في يده نفس الجملة المكرورة، كأنها عقدة سحرية: «احترموا المنطق الديمقراطي ومخرجات صناديق الاقتراع». يلوح بها كمن يحمل منشفة إنقاذ في عرض بحر من الانتقادات، معتقدًا أن السباحة ستصير ممكنة بمجرد ترديدها.
لنكن صريحين: تكرار عبارة «احترموا الصناديق» لا يعوّض عن برنامج، ولا يطعم بطلانوعنّا فاتورة الكهرباء، ولا يشرح كيف أن «المنجزات» العجيبة كلها خرجت من تعليمات عليا وبصمة ملكية،
بينما الحكومة نفسها تبدو وكأنها قائمة تنفيذية لورشةٍ ليست من صنعها. بايتاس يتكلم بروح محامي دفاعٍ يردّد سطر الدفاع فحسب، دون أن يعرض أي دليل على أن المتهم — هنا الأداء الحكومي — بريء من تهم التقصير والوعود المؤجلة.
وفي كل مرة تلوح فيها المعارضة بأسئلة بسيطة — عن الوظائف، عن الأسعار، عن بطء الخدمات — نسمع الرد نفسه: «احترموا الصناديق». كأن الديمقراطية محكومٌ عليها بالصمت حتى موعد الصناديق القادم. هذا ليس دفاعًا، هذا تهربٌ من المسؤولية. وفي بلادٍ تنتظر سياساتٍ تُحسّس الناس بأن صوتهم له أثر في اليوم التالي، ليست كفاية أن تقول لهم: «صوّتوا عليّ»، ثم تُعطيهم ورقة تنفيذية بلا روح ولا مشروع.
أما حين يلجأ بايتاس إلى «نمو بدون فلاحة» و«سنوات المطر التي لو تكررت لرفعت النمو إلى 7%»، فهنا نعرف أن المنطق الاقتصادي تحول إلى لعبة تنبوء: إذا أمطرت السماء، يكبر الاقتصاد.
جميل! إذًا دعونا نوزع مظلات الاقتصاد على الجميع ونوقف وزارة المالية عند كل سحابة. المثير للسخرية أن الحكومة تختزل سياسة التنمية إلى معادلة مناخية — وكأنها لم تتعلم منذ زمن أن النمو لا يُستعاد بالصدفة.
الأسوأ أن الخطاب كله يصرّ على أن ما لا تفعله الحكومة هو منجز ملكي؛ كأنها تقول بفمٍ مفتوح: «نحن منفّذون ممتازون لخططٍ لم يُفكر بها عقل حكومي واحد».
هذا الموقف يرفع الراية البيضاء أمام السؤال الأهم: ما المشروع السياسي الذي تُقدّمه هذه الحكومة للمواطن؟ إذا كان كل ما تملكه هو مظلة توجيهية، فأين استقلالية القرار؟ وأين الإجابة عن سؤال: لماذا ننتخب حكومات إن لم تكن للحكومات رؤيتها الخاصة التي تشكل الفارق في حياة الناس؟
في الختام، دعوة بسيطة لبايتاس: توقف عن ترديد العبارة كتعويذة، وتوقف عن اعتبار الديمقراطية درعًا تُختبىء وراءه حين تضيق عليك الأسئلة.
الديمقراطية ليست شعارات تُهتف بها بين الفينة والأخرى، بل ممارسات يومية، شفافية، جواب عن كل فاتورة، ومشروع يُقنع المواطن بأن صوته ليس مجرّد تذكرة دخول لمسرحية انتخابية تُعاد كل خمس سنوات. فإذا كنت تبحث عن لحنٍ جديد، فابدأ بالحقيقة، لأن القوالب الجاهزة لم تعد تجدي نفعًا في زمن الناس اليقظين.






