
تهافت اللحوم في عيد الأضحى يُشعل الأسعار
من يتحمل المسؤولية؟
عيد الأضحى..رغم الخطاب الملكي الذي دعا بوضوح إلى العدول عن ذبح الأضاحي في ظل ظروف استثنائية تمر بها البلاد، إلا أن الواقع الاستهلاكي بالمغرب سار في اتجاه مغاير تمامًا، حيث عرفت الأسواق موجة من التهافت غير المسبوق على اقتناء اللحوم و”الدوارة”، وهو ما أدى إلى انفجار الأسعار بطريقة ألهبت جيوب الأسر.
جمعيات المستهلك تدق ناقوس الخطر
في موقف مثير للجدل، حمّلت جمعيات حماية المستهلك المواطنين أنفسهم جزءًا كبيرًا من المسؤولية عما وقع. فقد أجمعت هذه الهيئات، وفي مقدمتها الجامعة المغربية لحقوق المستهلك، على أن السلوك الاستهلاكي للمغاربة خلال هذه المناسبة اتّسم بالاندفاع والتهافت غير العقلاني، الأمر الذي ساهم في خلق أزمة ندرة مصطنعة رفعت الأسعار إلى مستويات غير معهودة.
رئيس الجامعة: المستهلك في حالة “انفصام”
بوعزة الخراطي، رئيس الجامعة المغربية لحقوق المستهلك، لم يتوانَ في التعبير عن استغرابه من هذا التناقض الفجّ، واصفًا سلوك المغاربة عشية العيد بـ”الانفصام في الشخصية”. وأوضح أن الفرحة التي عمّت الأوساط الشعبية بعد الخطاب الملكي تلاشت بسرعة، لتفسح المجال أمام موجة من اللهفة الشرائية التي أطاحت بالأسعار وأشعلت السوق دون رحمة.
“العصيان الصامت” في وجه التوجيهات الرسمية
الخراطي وصف ما جرى بأنه نوع من العصيان الصامت تجاه توجيهات أعلى سلطة في البلاد، مشيرًا إلى أن بعض المستهلكين لم يكتفوا بتجاهل الخطاب، بل أقبلوا بشراهة على شراء كميات تفوق حاجاتهم، غير مبالين بالقدرة الشرائية ولا بالتداعيات الاقتصادية لهذا السلوك. وأضاف أن الجمعيات المدنية لا يمكنها الدفاع عن مواطن لا يحمي مصالحه بنفسه.
موجي: المغاربة يعشقون كل ما هو مثير للجدل
من جانبه، لم يُخفِ بوجمعة موجي، نائب رئيس جمعية حماية المستهلك بالدار البيضاء، استياءه من المشهد العام في الأسواق، واعتبر أن المغاربة ينجذبون بشكل غريب إلى كل ما هو نادر أو مثير للجدل، حتى ولو كلّفهم ذلك أثمانًا باهظة. وأكد أن الطلب غير الطبيعي كان سببًا مباشرًا في تفاقم الأزمة، وليس فقط ضعف الرقابة أو غياب العرض.
ردود فعل ساخطة… وتعليقات تفضح الواقع
عدد من التعليقات على مواقع التواصل الاجتماعي كشفت عن سخط شعبي واسع من هذا السلوك الجماعي غير المنضبط. أحدهم كتب: “كنت أظن أن الفقر منتشر في المغرب، لكن ما رأيته أمام محلات الجزارة نسف كل قناعاتي”. فيما عبّر آخر عن امتعاضه قائلاً: “من بكى العام الماضي بسبب الغلاء، عاد اليوم بنفسه ليكون سببًا في ارتفاع الأسعار”.
تعليق ثالث أوجز المأساة الأخلاقية والاجتماعية قائلًا: “المغاربة لم يفهموا بعد أن عيد الأضحى عبادة قبل أن يكون مناسبة للتفاخر. الله لا يناله لحم الأضاحي ولا دماؤها، بل يناله التقوى والإيمان”.
أزمة ثقافية قبل أن تكون اقتصادية
الواقع أن ما حصل لا يمكن اختزاله فقط في اختلال العرض والطلب، بل هو تجلٍّ لأزمة ثقافية أعمق. فحين يصبح استهلاك اللحم مقياسًا للكرامة، وحين تتحوّل الشعيرة إلى سباق على اقتناء الكيلوغرامات، فإننا أمام خلل في ترتيب الأولويات، وانفصال مؤسف بين التدين الحقيقي والممارسات الاجتماعية.
خلاصة مؤلمة… ورسالة مفتوحة
المغاربة مدعوون اليوم، أكثر من أي وقت مضى، إلى وقفة تأمل حقيقية. عيد الأضحى ليس سباقًا استهلاكيًا، بل لحظة روحية واجتماعية تتطلب وعيًا جماعيًا. وقد آن الأوان للمرور من منطق اللهفة إلى ثقافة الرشد، ومن مظاهر التبذير إلى جوهر التقوى.