في مشهد سياسي يُشبه كثيرًا لقاءات “العائلة الممتدة”، اجتمع قادة حزب الحركة الشعبية داخل منزل القيادي صلوح الجماني بأكادير، في ما سُوّق على أنه لقاء تنظيمي، بينما تؤكد كواليسه أنه كان اجتماعًا انتخابيًا بامتياز، امتزج فيه العتاب السياسي بالقلق من المستقبل، وكل ذلك تحت عيون الأمين العام محمد أوزين، وبحضور ثقيل للأمين العام السابق امحند العنصر، والقيادية “الصريحة بلا قناع” حليمة العسالي.
العسالي تخرج عن صمتها: المجاملة لا تبني أحزابًا
لم تفوّت حليمة العسالي الفرصة لتُذكّر الحاضرين بأن الوقت ليس وقت مجاملات ولا تقاطعات ناعمة، بل وقت حسم سياسي. ودعت إلى إعادة انتشار حقيقي للحزب في جهة سوس ماسة، معتبرة أن المنطقة ليست مجرد جهة انتخابية، بل مختبر استراتيجي يجب الاستعداد فيه لمعركة 2026، التي تبدو أكثر صعوبة من سابقتها.
لكن، وبعيدًا عن الحماسة الخطابية، يطرح السؤال نفسه: هل تملك الحركة الشعبية فعلًا القدرة على “إعادة الانتشار”، أم أننا أمام محاولة جديدة لإعادة تدوير نفس الخطاب ونفس الأسماء، مع قليل من البهارات التنظيمية؟
“ماكينة الأحرار” تثير الذعر.. و”التراكتور” تحت المجهر
في لحظة صدق، اعترف أحد القياديين الحاضرين أن ماكينة حزب التجمع الوطني للأحرار لا تهدأ، وأن التعامل مع هذا “الوحش الانتخابي المنظم” يتطلب خطة ميدانية واقعية، لا مجرد مداخلات داخل صالونات مكيفة.
وفي الخلفية، جرى الحديث عن استقطاب أسماء من حزب الأصالة والمعاصرة (البام)، الذي يعيش حالة من “التعب الداخلي” في عدة أقاليم بالجهة. وهنا تعود أسئلة قديمة: هل الحل في استقطاب الوجوه التائهة من الأحزاب الأخرى، أم في خلق وجوه جديدة تعبّر عن هموم المواطنين بدل هموم تزكيات 2026؟
مشهد أقرب إلى خلوة انتخابية منه إلى عمل حزبي
اللقاء لم يكن، كما قيل، مجرد اجتماع تنظيمي عابر، بل جلسة لتوزيع الإشارات الانتخابية والتسخينات المبكرة، حيث دار النقاش – حسب ما نُقل – عن أسماء بعينها في أكادير يمكن التفاوض معها لمنحها التزكية، مقابل وعود بنقل المعركة من “الساحة الرقمية” إلى “الصناديق الانتخابية”.
لكن وسط كل هذا، لا وجود لأي نقاش حقيقي حول البرنامج أو الرؤية أو ماذا يمكن أن تقدمه الحركة الشعبية لجهة سوس ماسة، غير ما يُقدمه كل حزب آخر: وعود عامّة وخرائط انتخابية جاهزة.
هل يحتاج الناخب في سوس إلى حزب… أم إلى بديل؟
المفارقة هنا أن اللقاء جاء خلف أبواب موصدة، في وقت كان يفترض أن يكون حزب كـ”الحركة الشعبية”، وهو أحد أعرق الأحزاب بالمغرب، منفتحًا على قواعده، ومستعدًا للاستماع للمواطنين، لا فقط للناخبين المحتملين.
فالناخب في سوس ماسة لا يبحث عن من يمنحه “بطاقة الحزب”، بل عن من يفهم واقع الفقر، والتهميش، والبطالة، وتراجع الخدمات.
خريطة الطريق الغامضة: ماذا بعد اللقاء؟
انتهى الاجتماع بكثير من النوايا، لكن بقليل من الوضوح. لم يُعلن عن خطة، ولا خارطة عمل، ولا حتى لجنة تتبع. فقط وعود بالتنسيق واستعداد للمواجهة.
لكن، كما هو معروف في السياسة المغربية: التحضيرات تبدأ بالمجالس المغلقة، وتنتهي غالبًا بمرشحين مفاجئين، بلا هوية ولا مشروع.
الحركة الشعبية حذاء قديم لا يصنع مشيًا جديدًا
إذا كانت الحركة الشعبية تعتقد أن مجرد التقاء قياداتها حول طاولة فاخرة يمكن أن يعيد وهجها السياسي، فهي لم تفهم بعد أن الناخب المغربي تغيّر، وأن مشهد 2026 لن يُدار بالأدوات القديمة نفسها.فالمواطن في سوس ماسة، كما في باقي جهات المملكة، لا ينتظر خطابات ولا صفقات، بل ينتظر من يفكّر فيه، لا فيه كرقم انتخابي، بل كإنسان مهمّش منذ سنين.