البرلمان يُطلّ علينا بالبث المباشر… لكن متى يُطلّ بالقرارات؟

البرلمان يُطلّ علينا بالبث المباشر… لكن متى يُطلّ بالقرارات؟

لم يكن أحد يتوقّع أن البرلمان المغربي سيقرّر في يومٍ ما أن يطلّ على المواطنين بلغة الصورة لا بلغة الإنجاز. فجأة، ظهر مشروع “ميديا بوكس” كنافذة واسعة على الجلسات واللجان، في شراكة بين مجلس النواب ووكالة المغرب العربي للأنباء، وبتمويل أوروبي لا يخلو من الرمزية. خطوة قُدّمت على أنها انفتاح، شفافية، وجرأة ديمقراطية. لكن السؤال البسيط الذي طرحه الشارع: هل نحتاج كاميرا… أم نحتاج برلمانًا حيًّا؟

3.2 مليون مشاهدة على فيسبوك، 1.2 مليون على إنستغرام، و355 ألف على يوتيوب. أرقام تبدو كأنها ملصق دعائي أكثر من كونها حصيلة عمل سياسي. أصبح البرلمان يُقاس بعدد “اللايكات” بدل عدد القوانين الفعّالة، وصار النقاش التشريعي أقرب إلى محتوى “ترند” منه إلى رقابة تُسائل الحكومة.

في الظاهر، الكاميرات تلتقط التفاصيل: وجوه النواب، انفعالاتهم، حتى لحظات الصمت. لكن خلف العدسة، لا شيء يتغير. نفس الأسئلة المكرّرة، نفس الخطب، نفس الغياب، ونفس القوانين التي تمرّ دون أن يشعر بها المواطن في جيبه أو حياته اليومية. إنها شفافية بالمشهد، لا بالفعل.

يؤكد رئيس المجلس، رشيد الطالبي العلمي، أن التجربة “تفتح عهدًا جديدًا من التواصل”. ربما… لكنها أيضًا تفتح باب الريبة: هل أصبح البرلمان يبحث عن “متابعين” بدل “مواطنين”؟ وهل صار دور النائب أن يظهر أمام الكاميرا أكثر مما يظهر في هموم ناخبيه؟

الحقيقة التي لا تحتاج عدسات عالية الجودة هي أن ثقة المواطن في البرلمان لا تُبنى على فيديو مصوّر بشكل جيد، بل على جواب حقيقي لسؤال بسيط: ماذا تغير في حياتي منذ آخر خطاب؟

المغاربة لا يريدون برلمانًا يلوّح بالميكروفون أمام العدسات، بل برلمانًا يضغط على زر المحاسبة داخل القاعة. لا يريدون بثًّا مباشراً للجلسات، بل قرارات مباشرة على أرض الواقع: مستشفى يعمل، مدرسة تحترم، طريق بلا حفر، ووزير يُسأل بجدّية.

إن تحويل البرلمان إلى “استوديو سياسي” قد يمنح صورة براقة، لكنه لن يمنح شرعية. فالديمقراطية ليست “لايف ستريم”، بل مسؤولية، وجرأة، وإرادة لا تُطفأ حين تنطفئ الكاميرات.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى