بين أزقة المدينة العتيقة وأحياء سيدي موسى وباب المريسة في سلا، تتسلل رائحة القلق كلما دوّت صرخة جدار متشقق أو سقطت قطعة من سقف مهترئ. هنا، لم تعد الحكاية مجرد صور عابرة، بل أصبحت عنوانًا يوميًا للمعاناة. مئات الأسر وجدت نفسها رهينة جدران تتآكل كل يوم، وسط تجاهل شبه تام من السلطات المحلية، بينما يتزايد الخوف من كارثة قد لا تُبقي ولا تذر.
جدران تتهاوى وقلوب تنبض بالخوف
العشرات من الدور القديمة، التي تعود لعقود مضت، تشكو التشققات والانهيارات المتكررة للأسقف والجدران. المياه تتسرب مع كل موجة مطر، والأساسات أضحت على وشك الاستسلام لأي اهتزاز جديد. أسر بأكملها تجد نفسها مضطرة للعيش في ظروف مهينة داخل بنايات تحولت إلى أفخاخ مفتوحة في انتظار الانهيار. انعدام البدائل السكنية وغياب حلول عاجلة من طرف مجلس الجماعة والسلطات يدفع السكان لمواجهة الموت البطيء يومًا بعد يوم.
صمت الجهات المعنية أمام نداءات استغاثة السكان
ما يزيد الوضع قتامة، أن نداءات السكان ورسائلهم المتكررة إلى المصالح المعنية لم تجد آذانًا صاغية. كل شتاء يتحول إلى كابوس حقيقي، حيث يصبح خطر الانهيار أكثر إلحاحًا مع تزايد تسرب المياه وتآكل الأساسات. أحد السكان عبّر بمرارة عن إحباطه، قائلاً إن المراسلات لم تلقَ أي تجاوب فعلي، وكأن السلطات تنتظر وقوع الكارثة حتى تتحرك. غياب الصيانة والترميم حوّل الكثير من الدور إلى قنابل موقوتة تتهدد كل من يسكنها أو يمر بقربها.
جمعيات مدنية تدق ناقوس الخطر دون جدوى
وسط هذا الإهمال، برز صوت المجتمع المدني محذّرًا من تداعيات الاستمرار في تجاهل هذا الملف الحارق. جمعيات محلية شددت في أكثر من مناسبة على ضرورة تفعيل برامج إعادة الإيواء وتأهيل النسيج العمراني، خاصة بعد توالي انهيارات جزئية لمبانٍ أوقعت ضحايا وخلفت خسائر مادية جسيمة. لكن وتيرة تنفيذ مشاريع الهدم وإعادة الإسكان بقيت بطيئة، وإدراج مدينة سلا ضمن برامج التأهيل الحضري لم يغير من واقع الحال شيئًا يذكر، بل فاقم من إحساس الأسر بالخوف والتهميش.
مسؤولية قانونية وأخلاقية لا تقبل التأجيل
رغم بعض الإجراءات التي اتخذتها السلطات المحلية من هدم أو إخلاء لبعض المباني المصنفة خطيرة، يبقى غياب الشفافية في الإعلان عن الأرقام الحقيقية وعدد البنايات المهددة بالانهيار سببًا إضافيًا في تعميق القلق. القانون رقم 94-12 الذي يفترض أن ينظم عمليات التجديد الحضري وهدم المباني الخطرة، لم يُفعّل بالصرامة المطلوبة، ليظل خطر الانهيار ماثلًا أمام الجميع. سكان المدينة العتيقة وسيدي موسى وباب المريسة يطالبون اليوم بتدخل عاجل وحلول مستدامة تضع حداً لهذا التلاعب بالأرواح.
بين الصمت والخطر.. هل ينتظر الجميع وقوع الكارثة؟
في كل زاوية من أحياء سلا القديمة، تتكرر مشاهد الألم ذاتها. أطفال يدرسون على وقع تساقط الجص، وأمهات يحملن همّ بيت قد لا يصمد حتى نهاية الشتاء. الوعود الرسمية لم تعد تطمئن أحدًا، والسكان يدركون أن صبرهم لن يدوم إلى الأبد. وبينما يزداد القلق يوماً بعد يوم، تبقى المسؤولية معلقة بين بطء الإدارة وإصرار السكان على الصمود في وجه الإهمال.