سيون أسيدون… حين توحد الجنازة ما فرّقته السياسة

سيون أسيدون… حين توحد الجنازة ما فرّقته السياسة

في مشهدٍ نادر لا تتيحه إلا لحظات الوداع الكبرى، ودّع المغاربة واحدًا من أبنائهم الأوفياء، الناشط الحقوقي والوجه السياسي الراحل سيون أسيدون، في جنازةٍ استثنائية جمعت من التناقض ما لا يجتمع، ومن التنوع ما لا يُرى إلا تحت سقف الوطن.

لم تكن الجنازة فقط طقسًا عاطفيًا لوداع مناضل، بل كانت رسالة حيّة عن مغربٍ يتسع للجميع، مغرب يرفض أن يُختزل في خانة واحدة أو مذهب واحد أو رؤية واحدة. فقد حضر الجميع: اليساريون، الإسلاميون، الليبراليون، المستقلون، الرافضون للتطبيع، وحتى من لا يعتنقون دينًا.

كما حضرت جماعة العدل والإحسان، وحضر اليهود المغاربة، ورفرفت أعلام فلسطين في قلب المقبرة اليهودية، مرفقة بشعارات ترفض الاحتلال والتطبيع، وترفع صوتها من داخل مكانٍ لطالما وُصف بـ”المقدّس”. هكذا توحدت الكلمة فوق قبر رجلٍ لم يرضَ يومًا أن يُفرّق بين قضايا الحق مهما اختلفت الهويات.

سيون أسيدون، اليهودي المغربي، كان من أوائل من رفعوا صوتهم من أجل القضية الفلسطينية، ولم يتزحزح قيد أنملة عن مواقفه، حتى حين دفع الثمن من جسده وحريته.

سُجن، عُذّب، ضُيّق عليه، لكنه ظل ثابتًا على ما يؤمن به، كأنما ولاؤه لم يكن إلا للعدالة، وعدالته لم تكن إلا مبدأً أخلاقيًا لا يقبل المساومة.

وفي هامش الجنازة، لم يكن المشهد أقل دلالة. نور الدين عيوش، رجل الإشهار المعروف، والذي سبق أن وُصف في أدبيات سياسية بـ”صديق الملك”، تحدث عن صداقة امتدت لأكثر من أربعين سنة مع الراحل.

تحدث بعين دامعة وقلب ممتن عن رجلٍ أعطى حياته للقضية الفلسطينية، وظل حتى آخر أنفاسه وفيًا لخطه النضالي، دون أن يبدّل أو يتلوّن.

إن معاداة السامية، كما قال عالم الاجتماع محمد الناجي، منتوج غربي خالص. أما في المغرب، فقد ظلت اليهودية جزءًا من النسيج الوطني، لا نقيضًا له.

وفي جنازة أسيدون، بدا واضحًا أن المغاربة، بمختلف أطيافهم، يعرفون كيف يودّعون أبناءهم المشتركين، حين يكون الإخلاص للوطن أولًا، وللحق ثانيًا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى