هل أصبحت قلة الحياء حرية فنية؟ الهاكا تثير الجدل من جديد

هل أصبحت قلة الحياء حرية فنية؟ الهاكا تثير الجدل من جديد

من شاهد الحلقة وعاد ليبحث عن تفسير، سيصطدم بقرار صادر عن الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري، يقضي بحفظ ما يناهز مئتي شكاية تتعلق بأداء أحد “الرابورات” على قناة عمومية.

قرار صادم لا يثير فقط علامات استفهام، بل يدفع إلى التساؤل عما إذا كانت هذه الهيئة لا تزال ترى أو تسمع أو تبصر، أم أنها أصبحت تعيش في سبات عميق.

فالهيئة، التي من المفترض أن تمثل سلطة معنوية تضبط ما يروج في الفضاء الإعلامي المغربي، خصوصًا الممول من جيوب المواطنين، قررت ببساطة أن تمرر الأمر مرور الكرام.

إنتاج محتوى يضرب القيم بعرض الحائط، ويُعرض على شاشة يفترض أنها تربي وتثقف وتوجه، لا أن تسوّق لقلة الأدب والانحراف المجاني.

القرار لم يكن مجرد تحفظ إداري، بل جاء بمبررات وُصفت بأنها متهالكة، لا تصمد أمام الواقع ولا أمام حجم الإساءة التي وُجهت للأسرة المغربية. وكأن الهيئة أرادت أن تقول للمغاربة:

لا بأس في قليل من الانحلال ما دام مغلفًا بلمسة “فن” مصطنعة، وما دام تحت مظلة حرية التعبير، حتى لو تحولت هذه الحرية إلى بوابة مفتوحة نحو “قلة العراض” باسم الحداثة.

الأكثر إيلامًا أن توقيع القرار جاء من امرأة مغربية يفترض أنها تعرف حجم المسؤولية، لا كمجرد موظفة، بل كأم من المفروض أن تخشى على أطفالها وعلى أطفال الآخرين من كلمات الشوارع التي أصبحت تتسلل من مكبرات الصوت إلى عقول الناشئة.

الهيئة التي تتقاضى أجورًا ضخمة، لم تحرك ساكنًا، ولم تتخذ أي قرار صارم لحماية الذوق العام، وكأن تربية الأجيال لم تعد من مهامها، بل أصبحت فوضى الكلمات والنبرات السوقية شأناً عادياً، تحت عنوان حرية التعبير والإبداع الفني.

مضمون القرار يكشف شيئًا أبعد من مجرد موقف تقني. هناك من يعتقد أنه استجابة لضغط سياسي أو لمحاباة جهة ما. وهذا إن صح، يجعل من “الهاكا” مجرد واجهة لصناعة قرارات مسيسة لا علاقة لها بما يجب أن يكون عليه دورها الحقيقي، كحَكَم نزيه وضامن للتوازن بين الحرية والمسؤولية.

فأن تتحول “قلة الحياء” إلى مادة إعلامية مُمولة من المال العام، ويتم الترويج لها في أوقات الذروة، فذلك لا يهدد فقط المنظومة القيمية، بل ينسف أيضًا مجهودات التربية والتعليم، ويشرعن الانحراف تحت عنوان الترفيه والتسلية.

الهاكا لم تُحَفّظ فقط شكاوى، بل حفرت خندقًا عميقًا بين المؤسسة والمواطن، وبين القانون والواقع. وبدلًا من أن تُبادر إلى التصدي لما يُهدد الذوق العام، اختارت الصمت، وربما ما هو أسوأ: التبرير.

وفي الوقت الذي تنفجر فيه قنوات اليوتيوب بأغانٍ تُمجّد “الحشيش” و”الغبرة”، ويتم تصوير الرابور كبطل من ورق، تُغلق الهيئة عينيها، كأن الأمر لا يعنيها. فهل ننتظر حتى يُصبح التلميذ يحفظ كلمات الأغاني بدلًا من دروسه؟ أم ننتظر حتى نرى الأمهات يترجّين أبناءهن أن يبتعدوا عن تقليد نجوم “الشارع الفني”؟

هي ليست معركة بين الفن والتخلف كما يُروّج البعض، بل هي معركة أخلاق ومسؤولية. فحين تصبح التفاهة مقننة باسم القانون، ويُطلق العنان للابتذال داخل بيت المواطن، دون رقيب أو وازع، فاعلم أن الملح قد فسد، وأن الصمت جريمة بحد ذاته.

ربما لم تعد الهيئة تستحي، لكنها بكل تأكيد لم تعد تصلح لما أنشئت لأجله.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى