هكذا تحوّل حلم شباب سلا إلى “صفقة سياسية” خفية!

هكذا تحوّل حلم شباب سلا إلى “صفقة سياسية” خفية!

تحوّل مشروع “مشتل المقاولات” بسلا، الذي وُلد في تسعينيات القرن الماضي كفكرة واعدة لإنقاذ شباب المدينة من البطالة، إلى واحدة من أبرز فضائح التسيير المحلي التي تكشف كيف يمكن لحلم جماعي أن يتحوّل إلى غنيمة شخصية في يد أصحاب النفوذ والقرابة السياسية.

القصة بدأت سنة 1996، عندما تم توقيع اتفاق شراكة بين جماعة لمريسة وعمالة سلا ووزارة التجارة والصناعة لإنشاء مشتل للمقاولات على مساحة تقارب هكتارين قرب سوق الجملة بطريق القنيطرة. المشروع كان يُفترض أن يحتضن خمسين محلاً تتراوح مساحاتها بين 80 و240 متراً مربعاً، لتُمنح مؤقتاً للمقاولين الشباب بشروط واضحة: كراء رمزي بعشرة دراهم للمتر، ومهلة عامين تقريباً لتأسيس المشروع قبل تسليم المحل لمستفيد جديد.

لكن، كما يحدث دائماً حين تختلط النية الحسنة بفساد التدبير، انتهى المشروع إلى مسرح مفتوح للمحاباة. فبعد اكتمال الأشغال سنة 2001، تم توزيع المحلات على الأقارب والأصدقاء وبعض المنتخبين النافذين، دون احترام لأي معايير شفافة، وتحولت تلك الفضاءات إلى محلات تجارية ومخازن وأصول تُباع بالملايين، بينما الشباب الذين أُنشئ المشروع لأجلهم ظلوا عاطلين عن العمل يشاهدون أحلامهم تُباع في المزاد.

الملف الذي ظلّ حبيس رفوف المجالس المنتخبة منذ أكثر من عقدين، لا يزال يُراوح مكانه رغم أنه ذُكر في تقارير لجان المراقبة منذ سنة 2005، محذّرة من التأخر في معالجته. ومع ذلك، لم يتحرّك أي مسؤول لإعادة الحق لأصحابه.

إدريس السنتيسي، العمدة الأسبق لمدينة سلا، تنصّل من المسؤولية واعتبر نفسه “غير معني بالمشكل”، بينما وجّه أصابع الاتهام إلى رئيس جماعة لمريسة السابق نور الدين الأزرق، الذي بدوره رمى الكرة في ملعب الآخرين، متذرعاً بأن الملف “أُغلق في عهده بحضور لجنة رسمية”.

ومع كل هذا التراشق بالمسؤوليات، يبقى السؤال معلقاً: كيف تحوّل مشروع وُضع لإنقاذ شباب سلا إلى رمز لفساد الإدارات المحلية؟
الجواب المؤلم هو أن “مشتل المقاولات” صار مثالاً حياً على زرع الفساد بدل زرع المشاريع، في مدينة تعاني من بطالة خانقة وتهميش متواصل.

وفي انتظار تحرّك حقيقي، يظل هذا الملف شاهداً على زمن تُباع فيه فرص الشباب بالمتر والمحاباة، بينما يُعاد تكرار الشعار ذاته: “نحن هنا لخدمة المواطن”… لكن المواطن ما زال في طابور الانتظار.