
مهرجان إفران… بين تبديد المال العام ورفع الرعاية الملكية
حين يتحول “عرس الأرز” إلى موسم للإنفاق بلا حساب
عندما أطلقت أولى دورات مهرجان إفران الدولي، تعلقت الآمال على أن يكون منصة إشعاع ثقافي يضيء دروب منطقة تعاني الهشاشة والفقر، وأن يتحول إلى رافعة للتنمية السياحية، وأمل لأبناء المدينة في غد أفضل. لكن، ويا للأسف، لم تمض سنوات حتى تحول الحلم إلى كابوس، والعنوان الأبرز: “مهرجان بملايير، وساكنة تعيش على الكفاف”.
مهرجان إفران..ملايير تُهدر بلا حسيب… وعائلات تستجم على حساب المال العام
ست سنوات من “العطاء اللامحدود” لمهرجان لا يعبأ سوى بإرضاء شركات تنظيمية وأعضاء جمعيات فاسية محظوظة. الكل يحصل على نصيبه: فنادق خمسة نجوم، سيارات فارهة، ونفقات بلا سند منطقي. وفي الوقت الذي ينعم فيه بعض الفنانين العرب بعشرات الملايين عن ساعة غناء فوق منصة، يُترك فنانو المنطقة تحت الأشجار، يتقاسمون السندويتشات، ويحلمون بحفنة دراهم لا تسمن ولا تغني من جوع.
جمعيات صورية على المقاس… وميزانيات تُدار في العتمة
ما يدعو فعلاً للضحك – أو البكاء، بحسب زاوية النظر – أن تدبير المهرجان ظل حبيس جدران جمعية صُممت من البداية لتلعب دور “الكومبارس” في مشهد يتكرر كل عام: رؤساء يأتون ويذهبون حسب المقاس، وأعضاء بلا صوت، وميزانية تمرر دون مراقبة أو شفافية. أما شعارات المهرجان “أغاني الأرز” و”الغابة إرث وطني” فلا أثر لها سوى في بلاغات صحفية لا تقنع حتى أصحابها.
المحظوظون… والفقراء!
وسط هذه “الحفلة الكبرى” يواصل أبناء إفران – من فنانين وأسر معوزة – حياتهم البسيطة، يراقبون من بعيد تلك الوفود التي تحتل فنادق المدينة لخمسة أيام، قبل أن تترك خلفها أسئلة عالقة عن الجدوى والإنصاف. أما الجمعيات الأمازيغية والثقافية المحلية فتظل حبيسة التهميش، وكأن لا صوت لها في صخب “العرس الفاخر”.
رفع الرعاية الملكية… الرسالة أوضح من أن تُفسر
قرار رفع الرعاية الملكية السامية عن مهرجان إفران كان بمثابة صفعة رسمية، تعكس غضباً صامتاً من جهة عليا، تجاه تدبير مهرجان ظل يرفض الإفصاح عن مصادر تمويله أو أوجه صرف ميزانياته، ويفتح الباب أمام شبهات التلاعب وتضارب المصالح. فحين يُسند التنظيم إلى جمعية يرأسها شخص له قضايا عالقة، ويستغل مسؤول موقعه لإيواء الفنانين بفندقه، يصبح تعارض المصالح العنوان الحقيقي لكل شيء.
الصحافة تدق ناقوس الخطر… والمسؤولون في سبات
من “شوهة أجور الفنانين” إلى “فضيحة تمويل جمعيات صورية”، لم يعد هناك منبر إعلامي لم ينتقد عبث ميزانية المهرجان، حتى أصبحت عناوين الصحف تصرخ كل صيف: “مهرجان يفقر المدينة… ويُغني الغرباء”. ومع ذلك، يستمر مهرجان إفران في درب إهدار المال العام، دون حسيب أو رقيب، في غياب أي تحقيق جدي من المجلس الجهوي للحسابات.
خاتمة… “عرس” الفقراء المدعوين من خلف الزجاج
ما أشبه مهرجان إفران بحفل فاخر أُغلقت أبوابه في وجه أبناء المدينة، بينما توزع الدعوات على غرباء لا يربطهم بالمكان سوى عقود مالية ضخمة. وبينما تزداد معاناة السكان، وتذبل أحلام التنمية، تظل الملايير تتبخر، في انتظار أن يتدخل من يضع حداً لهذه المهزلة.