شبهات تلاعب تلاحق صفقات بطانة سلا الثقافية والفنية
تدور رائحة نفاذة في كواليس مقاطعة بطانة بمدينة سلا. رائحةٌ ليست عابرة، بل تزداد حدة كلما فُتحت ملفات صفقات عمومية مرتبطة بتنظيم مهرجانات وفعاليات ثقافية وفنية، تُوصف على الورق بأنها “أنشطة إشعاعية”، لكنها في الواقع قد تكون شباكًا واسعًا لتمرير العقود خارج القانون.
التحقيقات، التي بدأت بشكل غير معلن، تشمل صفقات ضخمة تتعلق بجلب فنانين، حراسة فعاليات، تنظيم عمليات الختان الجماعي، الإشهار على وسائل التواصل، وحتى تجهيز المنصات والساحات، وكلها تدخل في خانة “الصفقات بدون إعلان”، ما يجعلها، بعبارة مباشرة، بابًا خلفيًا لتصفية الحسابات وتوزيع الغنائم.
في الدستور، وتحديدًا في روحه لا في ديباجته، تم التنصيص بوضوح على مبدأ الشفافية، المساواة في الولوج، وضمان التنافسية.
لكن الواقع، خصوصًا في بعض الجماعات الترابية، يَعرِفُ طرقًا أخرى في التعامل. هنا، لا مكان لتكافؤ الفرص، بل هناك “أصحاب الحظوة” و”المعارف” و”العقود المصممة على المقاس”.
وبحسب معطيات متقاطعة، فإن عدة صفقات تم تمريرها في السنوات الثلاث الأخيرة، يُشتبه في أن مستفيدينها تربطهم علاقات مباشرة أو غير مباشرة بمسؤولين محليين نافذين، في ظل تحايل متكرر على منصة “البلاط فورم” الرقمية، والتي صُممت أصلاً لضمان الشفافية. إلا أن البعض، كما يبدو، يجيد التعامل مع المنصات كما يجيد ترويض المساطر.
وزارة الداخلية، وإن كانت لم تُصدر موقفًا رسميًا بعد، إلا أنها أمام اختبار حقيقي. هل ستسمح بتحوُّل الصفقات العمومية إلى أداة انتخابية ناعمة؟ أم تتدخل لفرملة هذا الانزلاق المتكرر باسم “الثقافة”، في حين أن الجوهر هو الريع المُقَنَّع؟
يبقى السؤال الأهم معلقًا: من يحاسب؟ ومتى يُستبدل الحفل بالمحاسبة؟
المال العام ليس جائزة ترضية، ولا منصة موسمية للتقرب من الناخبين. وإذا كانت “المنافسة” مجرّد ديكور قانوني، فإن المساءلة الحقيقية لا بد أن تُلعب خارج منصة “البلاط فورم”، بل داخل منصة العدالة.
