حين تتحوّل الوزارات إلى مطاعم 5 نجوم على حساب الدولة
بينما كانت وزيرة الاقتصاد والمالية، نادية فتاح العلوي، تتحدث بكل ثقة تحت قبة البرلمان عن “انخفاض الأسعار” و“تعافي الاقتصاد الوطني”، كانت وسائل التواصل الاجتماعي تغلي بخبر مختلف تمامًا: فطور فاخر بقيمة 2500 درهم داخل مكتب الوزيرة، وعلى حساب المال العام.
الخبر الذي نشره موقع “عبّر” لم يُدعّم بوثيقة رسمية، لكنه فتح الشرخ من جديد بين خطاب الحكومة وواقع الشارع. فالمغاربة الذين يقفون أمام الأسواق كل صباح يعرفون جيدًا أن ثمن الخبز لم ينخفض، الطماطم لم تنخفض، لكن قدرة التحمل عند المواطن… هي التي انخفضت. أما الوعود الاقتصادية فتبدو حاضرة فقط في تقارير رسمية وجداول إحصاء لا تُشاهد إلا من بعيد.
المفارقة الكبرى أن الوزيرة، التي تطالب بتعبئة الموارد وترشيد النفقات، تُوضع اليوم في مرمى سؤال ساخر بسيط: إذا كان الفطور بـ2500 درهم، فكم يبلغ ثمن الغداء؟ وإذا اجتمع الوزراء حول مائدة واحدة، فكم سيدفع المواطن لتغطية “تكاليف التضامن الحكومي”؟
القضية، في جوهرها، ليست صحن “كرواسون” ولا كوب عصير برتقال فاخر. إنها طريقة تفكير سياسية ترى في المال العام رصيدًا شخصيًا، لا أمانةً مشتركة. منطق يقول: التقشف يبدأ من الأسفل، أما الأعلى فله قواعده الخاصة… حيث تتحول المحاسبة إلى ضيافة، والمسؤولية إلى امتياز.
هذه الوجبة لم تكن غذائية بقدر ما كانت رمزية. فطور بطعم السلطة، يُقدَّم فوق طاولة يدفع ثمنها دافعو الضرائب، في بلد تُقاس فيه العدالة الاجتماعية بدرجة حرارة السوق، لا بدرجة حرارة الخطاب السياسي.
قد يكون الخبر صحيحًا أو مجرد إشاعة فايسبوكية، لكن المؤكد أن المغاربة صدّقوه بسهولة، لأن المشهد العام أصبح قابلاً للتصديق أكثر من اللازم. فالهوة بين السلطة والمجتمع لم تعد اقتصادية فقط، بل صارت ذوقية وأخلاقية أيضاً. الوزراء يتحدثون بلغة الامتياز، والمواطنون يردّون بلغة الفاتورة.
