حوادث السير تواصل حصد الأرواح والمساءلة تحاصر “نارسا”

حوادث..أرقام قاتمة في طرقات المغرب… وتحذيرات من تجاوز الخط الأحمر

في زمن كان من المفترض أن تتراجع فيه حوادث السير بفضل الاستراتيجيات الوطنية وخطط السلامة، جاءت الأرقام المعلنة مؤخرًا لتقلب الطاولة على الجميع.

فقد دقت وزارة النقل واللوجستيك ناقوس الخطر من جديد، بعدما كشفت عن ارتفاع خطير في عدد القتلى والمصابين خلال الفترة الأخيرة، مما يطرح أسئلة جدية حول فعالية السياسات المعتمدة، ويعيد تسليط الضوء على أداء الوكالة الوطنية للسلامة الطرقية “نارسا”.

صيف ساخن ومؤشرات مخيفة

خلال اجتماع اللجنة الدائمة للسلامة الطرقية، أشار وزير النقل عبد الصمد قيوح إلى ما وصفه بظرفية خاصة تتسم بارتفاع مقلق في مؤشرات الحوادث، خصوصًا مع اقتراب الفترة الصيفية التي تعرف عادة ضغطًا مضاعفًا على الطرقات.

التحذيرات لم تأت من فراغ، فقد أظهرت الحصيلة النهائية لسنة ألفين وأربعة وعشرين تسجيل أرقام غير مسبوقة من حيث الحوادث الجسمانية والضحايا.

الطرق المغربية شهدت أزيد من مئة وثلاثة وأربعين ألف حادثة سير جسمانية، بزيادة تفوق ستة عشر في المائة مقارنة مع السنة التي قبلها. أما القتلى فقد تجاوز عددهم أربعة آلاف شخص، ما يمثل زيادة مقلقة تقارب خمسة في المائة.

الأكثر إيلامًا، أن المؤشرات خلال الأشهر الخمسة الأولى من هذا العام لا تبشر بأي تحسن، بل تسير نحو مزيد من التصعيد، مع تسجيل زيادة تناهز إحدى وعشرين في المائة في عدد القتلى والمصابين بجروح خطيرة.

هل يعيد المغرب سيناريو سنة 2011؟

الأرقام المسجلة تثير الذعر، ليس فقط لأنها مرتفعة، بل لأنها تنذر بتكرار أسوأ سيناريو عرفته البلاد. فالتحليلات الأولية تشير إلى احتمال تجاوز الحصيلة التاريخية التي سُجلت سنة ألفين وأحد عشر، حين فاقت الوفيات الأربعة آلاف ومئتين حالة. المؤشرات الحالية تؤكد أن الطريق نحو هذا الرقم أصبح قريبًا إن لم يتم تدارك الوضع قبل فوات الأوان.

نارسا في مرمى النقد… فشل أم عجز؟

وسط هذا الواقع المؤلم، تبرز علامات استفهام كبيرة حول مدى نجاعة الوكالة الوطنية للسلامة الطرقية، التي يُفترض أن تكون الجهة المشرفة على ضبط وتوجيه السياسات العمومية في هذا المجال.

ناصر بولعجول، الذي يقود الوكالة منذ سنوات، يجد نفسه اليوم أمام أسئلة ثقيلة، بعدما أظهرت النتائج ضعفًا واضحًا في التأثير الميداني.

حملات التوعية والإشهار، التي أنفقت عليها الملايين، لم تنجح في تغيير سلوك السائقين ولا في خفض معدلات الحوادث. وأمام نزيف الأرواح المتواصل، لم يعد الحديث عن التواصل كافيًا، بل أصبح الأمر يستدعي محاسبة واضحة عن النتائج والمردودية.

أهداف تُداس تحت عجلات الواقع

الوكالة الوطنية للسلامة الطرقية وضعت لنفسها أهدافًا طموحة، تتعلق بتربية مستعملي الطريق وتوجيههم، ومراقبة السلوك، وتأهيل الكفاءات، ودعم البحث العلمي في المجال. لكن ما يجري على الأرض يفضح الفجوة بين الشعارات والتطبيق. الطرق لا تزال تحصد الأرواح، والثقة في جدوى البرامج الرسمية تواصل التآكل.

الطريق إلى الإصلاح يمر عبر المحاسبة

في ظل هذا الوضع، لم يعد هناك مجال للمجاملات. الإصلاح الحقيقي يبدأ من مساءلة المؤسسات وتحميلها المسؤولية الكاملة عن الفشل، خصوصًا حين يتعلق الأمر بأرواح المواطنين. الطرق المغربية لم تعد تحتمل المزيد من الارتجال، والمواطن ينتظر من الدولة إجراءات فعلية وليس بيانات.


اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى