انتخابية: كيف تحول زلزال الحوز إلى ورقة سياسية

عندما تستيقظ الأحزاب على صوت صناديق الاقتراع

تشهد منطقة الحوز هذه الأيام حركة مكثفة لا تشبه شيئًا مما عرفته منذ شهور طويلة، فالدواوير التي كانت منسية وسط الركام والألم أصبحت فجأة محط اهتمام سياسي استثنائي، وكأن الزلزال الذي ضربها قبل شهور قد أيقظ ضمائر نائمة أو بالأحرى أيقظ حسابات انتخابية دقيقة.

هذا الاهتمام المفاجئ لم يأت من فراغ، بل جاء مع اقتراب موعد الانتخابات التشريعية المقررة عام ألفين وستة وعشرين، وهو ما يطرح تساؤلات مشروعة حول صدق النوايا وحقيقة الدوافع وراء هذا الحضور المتأخر.

الصحوة المتأخرة: عندما تتذكر الأحزاب وجود الحوز

لم تكن الأحزاب السياسية حاضرة عندما كان المتضررون يقفون أمام العمالات يطالبون بحقوقهم، ولم تكن موجودة عندما نظموا الاعتصامات أمام البرلمان يصرخون طلبًا للعدالة، لكنها اليوم تتسابق لتسجيل حضورها في المنطقة المنكوبة.

هذا التحول المفاجئ في الاهتمام أثار غضب الكثير من السكان الذين وصفوا هذه الزيارات بالانتهازية السياسية، معتبرين أن الأحزاب تحاول استغلال معاناتهم لتحقيق مكاسب انتخابية، بينما كانت غائبة تمامًا في أحلك الأوقات.

فدرالية اليسار: سياحة سياسية بنكهة البيانات الجاهزة

بدأت فدرالية اليسار الديمقراطي ما يمكن وصفه بـ”الحج الانتخابي” إلى منطقة الحوز، حيث وصل وفد من الفدرالية التقط الصور التذكارية واستمع إلى الشكاوى لبضع ساعات، قبل أن يعود من حيث أتى تاركًا وراءه بيانًا يكرر ما يعرفه الجميع.

البيان الذي أصدرته الفدرالية لم يأت بجديد، فقد تحدث عن تأخر صرف الدعم وعدم كفاية مبالغ الترميم، وهي أمور يعيشها المتضررون يوميًا ولا يحتاجون لبيان ليذكرهم بها، وبالتالي فإن هذه الزيارة لم تتجاوز كونها مناورة إعلامية هدفها تسجيل الحضور لا أكثر.

العصبة المغربية: تقرير أسود وحسابات داخلية

من جهتها، دخلت العصبة المغربية لحقوق الإنسان على الخط بتقرير وصفته بـ”الأسود”، لكن الملاحظ أن هذا التقرير جاء في سياق معقد يتداخل فيه الاهتمام بحقوق الإنسان مع الحسابات السياسية الداخلية.

العصبة التي تعتبر قريبة من حزب الاستقلال حاولت من خلال تقريرها تبني خطاب معارض رغم أن الحزب القريب منها جزء من الأغلبية الحكومية، وهو ما يطرح تساؤلات حول ما إذا كان الأمر يتعلق بصراع المواقع داخل الحكومة أكثر منه اهتمامًا حقيقيًا بمعاناة المتضررين.

حزب الأصالة والمعاصرة: التضامن السياسي كحل سحري

لم يتأخر حزب الأصالة والمعاصرة عن ركب الزيارات السياسية للحوز، حيث أرسل القيادي الجهوي سمير كودار في مهمة “تضامنية” هدفها ظاهريًا الوقوف على أحوال المتضررين، لكنها في الحقيقة محاولة لتحسين صورة الحزب في المنطقة.

هذه الزيارة تأتي في ظل مؤشرات تشير إلى وجود ارتباك داخلي في الحزب، وهو ما يحاول معالجته من خلال تحسين تموقعه في المناطق المتضررة استعدادًا لمعركة الانتخابات القادمة، وبالتالي فإن الأمر لا يتجاوز كونه حسابات انتخابية مبكرة.

التجمع الوطني للأحرار: صمت مدوي وحضور خجول

أما حزب التجمع الوطني للأحرار، الذي يقود الحكومة الحالية، فقد اختار استراتيجية مختلفة تقوم على الحضور الخجول والمحدود، سواء من خلال الأذرع الجمعوية أو المبادرات التي توصف بـ”الإنسانية”.

هذا الصمت النسبي من طرف الحزب الحاكم لم يمر دون ملاحظة من قبل سكان الحوز، الذين اعتبروه دليلاً على عدم الاكتراث بمعاناتهم، خاصة في ظل التأخير الملحوظ في تنفيذ برامج إعادة الإعمار وعدم وضوح الرؤية التواصلية للحكومة.

المتضررون يرفعون شعار “لا انتخابات دون إنصاف”

في المقابل، لم تبق تنسيقيات المتضررين مكتوفة الأيدي أمام هذا الاستغلال السياسي لمعاناتها، حيث تستعد لتنظيم اعتصامات جديدة بالعاصمة الرباط تحت شعار “لا انتخابات دون إنصاف”، وهو شعار يحمل في طياته رسالة واضحة للطبقة السياسية.

هذا التحرك المرتقب من قبل المتضررين يشير إلى أن الحملة الانتخابية القادمة قد تكون مختلفة عن سابقاتها، حيث ستفتح على وقع الاحتجاج والغضب الشعبي وليس فقط على وقع المنافسة السياسية التقليدية، وهو ما قد يغير قواعد اللعبة السياسية في المنطقة.

 عندما تصبح المأساة ورقة انتخابية

في النهاية، ما يحدث في منطقة الحوز اليوم يكشف عن وجه قبيح للممارسة السياسية المغربية، حيث تتحول المآسي الإنسانية إلى أوراق انتخابية، والمعاناة الحقيقية للناس إلى مناسبات للتصوير والتصريحات الإعلامية.

هذا الواقع المرير يطرح تساؤلات جوهرية حول مصداقية الخطاب السياسي وصدق النوايا، كما يؤكد أن المتضررين من زلزال الحوز باتوا أكثر وعيًا بحقيقة الحسابات السياسية، وأنهم لن يكونوا مجرد ديكور في مسرحية انتخابية هزلية.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى