أخنوش بين “القداسة السياسية” وواقع لا يرحم المواطن

أخنوش بين “القداسة السياسية” وواقع لا يرحم المواطن

عندما وقف رئيس الحكومة عزيز أخنوش فوق منصة بني ملال ليتحدث عن “المسؤولية المقدسة أمام الله والملك والمواطنين”، بدا وكأنه يعلن ميلاد مفهوم جديد في السياسة المغربية: القداسة بالحساب البنكي، والخطاب المُغلف بالأخلاق بينما الواقع يصيح بالأسعار والخدمات المتعثرة.

فالحديث عن “المهمة المقدسة” جميل، لكنه يأتي بعد أربع سنوات من شكاوى تنتقل من أبواب المستشفيات إلى قاعات المدارس ومواقع التواصل. هل القداسة تُقاس بالنيات، أم بعدد الأقسام المجهزة، والأدوية المتوفرة، والطرقات التي لا تغرق مع أول مطر؟

في خطابه، قال أخنوش إنه “يسمع صوت المواطنين”. لكن المغاربة سئموا من السياسي الذي يسمع ولا يتحرك. فالإنصات ليس إنجازًا، والاعتراف ليس إصلاحًا، والنية وحدها لا تُخفّض ثمن الزيت ولا تُرمّم مدرسة قرية منسية.

اللافت أن رئيس الحكومة تحدّث عن مشاريع سترى النور سنة 2026 و2027. وكأن الأمر يتعلق بحكومة مقبلة، لا بحكومة تحكم اليوم. الاستعجال في قاموس الحكومة يعني مناقصة ودفتر تحملات، بينما في قاموس المواطن يعني مستشفى ينقذ حياة.

أخنوش عاد ليُلوّح بالقيم العائلية واستحضر والده ليُذكرنا بالمسؤولية والصدق والاجتهاد. جميل، لكن المغاربة اليوم لا يبحثون عن دروس في الأخلاق، بل عن نتائج في الميدان. فالمواطن لا يطلب من الحكومة أن تكون ملاكًا، بل فقط أن تكون منجزة وعادلة.

اختيار جهة بني ملال خنيفرة لإطلاق هذا الخطاب لم يكن صدفة. إنها الجهة التي تختصر المغرب الحقيقي: مياه وفلاحة وخيرات، لكن شباب بلا شغل وقرى بلا مرافق. كأن الحكومة تشاهد الواقع من نافذة مكيفة، بينما المواطن يراه من مستوصف مهترئ أو طريق مقطوعة.

وبين “القداسة” و“الحسابات الانتخابية”، يبقى السؤال قائمًا: هل أراد أخنوش تبرئة السياسة بألفاظ طاهرة، أم أنه يهيئ الرأي العام لشيء أكبر… ربما ولاية أخرى بلغة جديدة أكثر روحانية وأقل واقعية؟

الناس اليوم لا يريدون خطابات مطمئنة ولا عبارات مقدسة، بل دولة تشتغل، ومسؤولًا لا يعتلي المنصة ليروي قصة، بل لينفّذ وعدًا.

Exit mobile version